عالم ومفكّر إسلامي بارز، يعد أحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، عُرف عنه تجديده في الفكر الإسلامي وكونه من “المناهضين للتشدد والغلو في الدين” ، كما عُرف بأسلوبه الأدبي الرصين في الكتابة
كان غزير الإنتاج حيث صدرت له العديد من الكتب المرجعية في الفكر الإسلامي المعاصر، اعتقل في عهد كل من الملك فاروق والرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
انتمى الغزالي إلى جماعة الإخوان المسلمين مبكرا وبايع حسن البنا، كما عارض جمال عبد الناصر.
دخل الغزالي في خلاف مع قيادة جماعة الإخوان المسلمين “لمعلومات مشوشة وصلته عن المرشد حسن الهضيبي”، ما دفع القيادة لفصله. غير أن ذلك لم يمنع من وقوفه إلى جانبهم بعد حملات الاعتقال والسجن والتعذيب التي تعرضوا لها في عهد عبد الناصر، كما رفض في أكثر من مناسبة المشاركة في التهجم عليهم بوسائل الإعلام ما عرضه للسجن. وقد اعتذر الغزالي في وقت لاحق على خلافه مع الهضيبي عن بعض الاتهامات التي وجهها له.
وفي عام 1945 كتب الإمام حسن البنا إلى الشيخ محمد الغزالي يقول له :
أخي العزيز الشيخ محمد الغزالي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وبعد، قرأت مقالك (الإخوان المسلمون والأحزاب) في العدد الأخير من مجلة (الإخوان) فطربت لعبارته الجزلة ومعانيه الدقيقة وأدبه العف الرصين. هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون. اكتب دائماً وروح القدس يؤيدك، والله معك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومن يومها أطلق الإمام حسن البنا على الشيخ الغزالي لقب ” أديب الدعوة ”.
اشتهر الشيخ الغزالي بمواجهته للاستبداد وأصوله الفكرية والاجتهادات الفقهية التي حاولت شرعنة القهر والحكم الجبري، ويعتبر كتابه “الإسلام والاستبداد السياسي” علامة فارقة في هذا المسار الذي جعل من اسمه “بغيضا إلى الجهة الحاكمة”.
نقد الغزالي قانون الأحوال الشخصية المشهور بقانون جيهان (زوجة الرئيس الراحل أنور السادات) فمنع من الكلام وصودرت كتبه، فلمّا أتيحت له أبواب الهجرة توجّه إلى السعودية، واشتغل أستاذا للدعوة في كليّة الشريعة بجامعة أم القرى بمكّة المكّرمة عام 1397 هـ الموافق لـ1977، وساهم في تأسيس جامعة الإمام عبد القادر الإسلاميّة بـقسنطينة في الجزائر عام 1980، وشغل عدّة مناصب جامعيّة في مصر.
حذر الغزالي من هدم المسجد الأقصى، وقال: إن زوال المسجد ليس قضية فلسطينيّة بل قضيّة قرآنيّة، وإن اليهود يتحرّكون بعقيدة دينيّة، بينما نحن لا نتحرك بالعقيدة الدينيّة المطلوبة، وإنّ واجب المسلمين أن يجعلوا المعركة معركة عقيدة.
كما تحدث عن التنصير وقال: إنّ الغزو التبشيري ليس له مصادر علميّة محترمة، وإنّ التبشير يرفض المعارك المباشرة لأنّه يعرف خطورتها عليه، ومن واجب المسلمين أن يتنبّهوا إلى ألاعيب المبشّرين وحيلهم، بتوثيق العلاقة بين المسلم وعقيدته، حتى لا ينحرف وراء الدعوات الباطلة.
وكتب المقالات الإسلاميّة التي عالجت قضايا الفكر والثقافة والمرأة والمشكلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، على ضوء الإسلام.ودافع عن المرأة، وفنّد دعاوى خصوم الإسلام.
وكان يرى أنّه لا بدّ من التوسّط والاعتدال في مسألة السفور والحجاب، فيكون حجابا شرعيا تتمكّن معه السيّدات من المساهمة في النهضة الدينيّة والخدمة.
ودعا إلى فتح باب الاجتهاد وقال “إن إغلاق باب الاجتهاد هو اجتهاد، وهذا الاجتهاد بإغلاق باب الاجتهاد انتهى إلى ضرر، والضرر هو أن الأمة توقفت فعلا عند التفكير القديم الذي كان سائدا في القرن الرابع تقريبا، والزمن يتجدد، وكما قيل: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من أنزعة… فلا بد من أن يترك باب الاجتهاد مفتوحا”.
ووصف أحوال المسلمين فقال: المسلمون الآن مصابون بتديّن الشكل، لا تديّن الموضوع، والدين عندما يتحوّل إلى طقوس ومراسم يفقد قيمته.. لأن الدين قبل كل شيء قلب حي وضمير يقظ وسريرة نظيفة.
كان الغزالي يرى في الاستبداد عدوا للتقدم والحضارة، وكان يردد “لا حرية حيث يكون هناك استبداد سياسي، لا دين حيث يكون هناك استبداد سياسي، لا حضارة حيث يكون هناك استبداد سياسي”. وكان يقول إن “الحكم الاستبدادي تهديم للدين وتخريب للدنيا، فهو بلاء يصيب الإيمان والعمران جميعا. وهو دخان مشؤوم الظل تختنق الأرواح والأجسام في نطاقه حيث امتد. فلا سوق الفضائل والآداب تنشط، ولا سوق الزراعة والصناعة تروج”.
ومن أقواله: الإسلام والاستبداد ضدان لا يلتقيان، فتعاليم الدين تنتهى بالناس إلى عبادة ربهم وحده، أما مراسيم الاستبداد فترتد بهم إلى وثنية سياسية عمياء.”
إن أمة يستأثر بها حاكم ، أو ظالم أو مستبد ، أمة لا يوثق بها أصلا أن تكون قابلة للحياة والامتداد وصناعة حضارة.
توفي محمد الغزالي بالرياض يوم 9 مارس/آذار 1996 أثناء اشتراكه في ندوة الإسلام والغرب، ودفن بالمدينة المنوّرة وفق وصيته.
وُصف يوم نعيه بمجلة “منار الإسلام” الإماراتية بأنّه كان معتزا بدينه وبنفسه وبفكره، شجاعا في الحق، صارما في دفاعه، نبيلا في تعامله مع الناس، كرّس حياته ووقته كله لخدمة الدعوة، يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، يتذرع بالصبر، ويتّسم بالأخلاق الفاضلة، وبالآداب الإنسانية العالية، يحترم نفسه دون غرور، ويرحّب بالحوار الهادف والنقد الموضوعي، وكان من الدعاة الذين لهم أقدام ثابتة، وخطى موفّقة، وبصيرة نافذة، وفكر وضّاء مستنير، خدم الدعوة الإسلاميّة، وردّ عن الإسلام مطاعن وشبهات المستشرقين، ووقف في وجه الإلحاد والتعصّب.