جودت سعيد ..غاندي العالم العربي

انت هنا :

نبذة/التفاصيل:

جودت بن سعيد بن محمد مفكر سوري شركسي ولد بقرية بئر عجم التابعة للجولان في سوريا عام 1931م. وهو مفكر إسلامي معاصر، يعتبر امتداداً لمدرسة المفكرين الإسلاميين الكبيرين، الأستاذ مالك بن نبي ومن قبله محمد إقبال.

  • من مواليد بئر عجم القنيطرة، أتم جودت سعيد دراسته الابتدائية في مدينة القنيطرة، ثم أرسله والده لمتابعة دراسته في مصر (الأزهر الشريف) في عام 1946م. فأتم هناك المرحلة الثانوية، والتحق بكلية اللغة العربية، ليحصل على إجازة في اللغة العربية منها.

تعرف على الأستاذ مالك بن نبي في آخر مراحل وجوده في مصر من خلال كتاب شروط النهضة، فشعر بنكهة جديدة تقدمها كتابات الرجل، ثم واتته فرصة لقاءه والتعرف عليه شخصياً قبل مغادرة مصر نهائياً.

زار السعودية بعد ذلك ليقضي فيها نحو عام، تمت خلالها ولادة الجمهورية العربية المتحدة بقيام الاتحاد بين سوريا ومصر. ثم عاد إلى سوريا لتأدية الخدمة العسكرية، وأثناء تواجده في صفوف الجيش حدثت واقعة الانفصال. وفي حين امتثل الجميع لأوامر القادة في قطعته العسكرية، أعلن رفضه ومعارضته المشاركة في أي تحرك عسكري، مما دفع القادة المسؤولين عنه إلى حجزه في الإقامة الجبرية، ولم يغادرها إلا بعد انقضاء الأمر.

أنهى خدمته العسكرية ليعين استاذاً في ثانويات دمشق كمدرس للغة العربية، وما لبث أن اعتقل لنشاطه الفكري. وتكررت الاعتقالات، ورغم صدور قرارات بنقله إلى مختلف مناطق سورية إلا أنه لم يترك مجال التدريس إلا بعد أن تم اتخاذ قرار بصرفه من عمله في نهاية الستينات.

بعد حرب 1973، تم تحرير مدينة القنيطرة وبعض من قرى الجولان السوري المحتل، وكانت من ضمن القرى المحررة قرية بئرعجم. فقرر العودة والاستقرار هناك وإعادة ترميم المنزل مع عائلته ووالده وإخوته، وما زال يعيش هناك، يعمل في تربية النحل، والزراعة، ويمارس نشاطه الفكري والثقافي، ومتابعاً للتطورات والنقاشات في الساحة العربية والإسلامية والعالمية.

لجودت بنت واحدة هي كوثر وولدين سعد وبشر.

  • يعرف جودت سعيد بأنه داعية اللاعنف في العالم الإسلامي أو غاندي العالم العربي. وقد عبر عن سعادته بهذا الوصف في مناسبات عدة، وكان أول ما كتبه في مطلع الستينيات كتابه (مذهب ابن آدم الأول، أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي) وهو يناقش مبدأ اللاعنف وعلاقته الجذرية بالإسلام، لكن يمكن للبعض أن يرى أن القصد من وراء الامتناع عن استخدام العنف أو القوة هو في واقع الأمر اللجوء إلى العقل والتفكير. لذلك كانت دعوته إلى اللاعنف دعوة للعقل في أساسها.
  • يبصر جودت سعيد القرآن من خلال العالم، والعالم من خلال القرآن، وتنطلق الأفكار المفتاحية في عالمه الفكري من باب التوحيد، فهو يرى أن “التوحيد مسألة سياسة اجتماعية وليست مسألة ميتافيزيقية إلهية”، بمعنى أن توحيد الله في السماء، يعني المساواة بين البشر على الأرض، فيساوي بين العبارات الثلاث في الآية القرآنية الكريمة: (ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون الله).

وهو ينطلق من الآية القرآنية (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، فيفهم منها أن “آيات الأفاق والأنفس، أي سنن الله في الكون، وتجارب البشر والأحداث والتاريخ البشري، كل هذه ستكون الدليل على صحة وصدق القرآن. مما يعني أن التاريخ والتجارب هي مرجع القرآن ودليل صدق ما فيه من قوانين”، وهذا ما دفع البعض لاعتباره مفكراً مادياً، يبشر بمذهب مادي.

  • من الأفكار المفتاحية فكرة (الزيادة في الخلق) فالعالم بحسب فهم جودت للقرآن “لم يخلق وانتهى، أي لم يكتمل خلقه، وإنما لا يزال يخلق”، فالقرآن يقول (يزيد في الخلق ما يشاء) و(يخلق ما لا تعلمون). واعتماداً على ذلك وضع جودت سعيد مرتبة جديدة من مراتب الوجود، وهي “الوجود السنني”. أي وجود الشيء كقانون وسنة حتى قبل وجوده بالفعل.

يتكرر “مفهوم النفعية” في فكر سعيد بكثرة، معتمداً على النص القرآني (كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فيعتبر أن “النافع هو ما سيبقى في الأرض وأن الزبد هو ما سيذهب جفاء”، وأن “النافع هو المقدس”، وأن “الحق والباطل إذا ما أعطيا فرصاً متكافئة فإن الباطل سيزول والحق سيقى”.

  • قدم جودت سعيد من خلال كتابه (مذهب ابن آدم الأول ـ أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي) تصوره لفكرة نبذ العنف في العمل الإسلامي، وقد اهتم بشرح قصة ابني آدم الواردة في القرآن واستنباط فكرة اللاعنف في الإسلام منها ومن أحاديث نبوية أخرى. ومفاد القصة أن ابني آدم قربا قرباناً، فتم قبول قربان أحدهما ورفض قربان الآخر، فهدد الأخير بقتل صاحبه، بينما رفض الأول الرد على عنف أخيه أو حتى الدفاع عن نفسه.

ظهر الكتاب في منتصف الستينيات من القرن العشرين، قبل بروز التيار الإخواني في سورية ووقوع حوادث العنف والاعتقالات الواسعة، ولعل تجربة جودت سعيد في مصر، ومشاهدته لما جرت عليه الأمور بين السلطة والإخوان، جعله يتوقع تكرار نفس التجربة في سورية، ولم يكتب جودت سعيد كتابه إلا بعد أن جرى اعتقاله على خلفية نشاطه الفكري، وبعد تجربة الاعتقال شعر أن من الضروري توثيق بعض الأفكار التي كان يفكر بها وخصوصاً المتعلقة باللاعنف، فكان كتاب مذهب ابن آدم الأول.

وقد بين جودت سعيد في كتابه الفروق بين الجهاد في مرحلة بناء الدولة، وبين الجهاد بعد ذلك، وكان هذا في معرض رده على بعض الشبه المثارة حول فكرة اللاعنف وتناقضها مع الجهاد بمعنى القتال، وهو ما ثبت أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد مارسه أثناء دعوته. ويأتي الجهاد في مرحلة بناء الدولة أو الحكم الراشد أو الديمقراطية جهاداً لا عنفياً حصراً حسب جودت سعيد، فلا يجوز الوصول إلى السلطة والحكم بالقوة وبالسيف، فكل من أخذ بالسيف بالسيف يهلك، والتغيير بالقوة لا يغير المجتمع وإنما يذهب هرقل ويأتي هرقل، ولذلك فقد منع الرسول (صلى الله عليه وسلم) أصحابه من الدفاع عن أنفسهم أثناء وجودهم في مكة، وإنما سمح لهم الجهاد بالسيف بعد أن تشكل المجتمع الراشد في المدينة بدون ممارسة عنف وإنما بإقناع الناس، وعندما يتشكل المجتمع الراشد يصبح من واجبه نصرة المظلومين والدفاع عن سلامته.

  • ينطلق الكاتب من قول القرآن: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ويعتمد عليها في فهم أولوية التغيير الخاص بالنفس على أي تغيير آخر من أجل حل المشاكل. الكتاب من تقديم الإستاذ الكبير مالك بن نبي[1]، الذي قال في مقدمته تلك: ((وكأنما الأخ جودت سعيد ينقلُ هذه القضية من مجال الطبيعة إلى مجال التاريخ.

إن من يؤمن بمراحل التاريخ مثله قد تستعصي عليه فكرة تطويع التاريخ لمبدأ التغيير، مع هذا فهو يحاول تخليص مفهوم التغيير الاجتماعي من قيود السببية المقيدة، كما تربطه بها النظرة الشائعة عند المؤرخين، أمثال ج. أ. طوينبي، الذين يرون أن الأشياء في التاريخ تسير طبقاً لسببية مرحلية.

 

  • ويؤكد جودت سعيد في كتابه أن السنة الموجودة في الآية، سنة عامة تنطبق على كل البشر، وليست خاصة بالمسلمين. وأنها سنَّة اجتماعية لا سنَّة فردية، وأن في آية التغيير تغييران: تغيير يؤديه الله وتغيير يقوم به القوم، وأن التغيير الأول نتيجة للتغيير الثاني، فالله لن يغيير حتى يقوم القوم بالتغيير أولاً. كما أن مجال التغيير الذي يحدثه الله، هو ما بالقوم، والتغيير الذي أسنده الله إلى القوم، مجاله ما بأنفس القوم.

يختم الكاتب كتابه بقوله: ((كم من حقائق قرآنية أولية بسيطة على مسمع كل أحد في قارعة الطريق! ولكن مع هذا كله لا ينتبه إليها منتبه! وكم من المصائب التي تسد علينا منافذ الحياة تنشأ عن هذا النسيان وعدم الانتباه! وكم من الآلاف المؤلفة من الشباب يصابون بخيبة أمل، أو بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني حين يكشفون الحقيقة، لأنهم يعيشون على الوهم متقوقعين! ثم كم من الشباب يصابون بالشك في الدين إطلاقاً، ويظهر عليهم آثار ذلك بأساليب مختلفة، لكل موسم ما يناسبه، وليس آخرها أصحاب الشعور الطويلة الذين يملأون الأسواق … إنه الامتلاء بالأوهام. أجل إنها مشكلة مجتمع، مشكلة جيل ضائع متخم بالأوهام، ومجاعة من إدراك سنة الحياة)).

مؤلفاته

 

 

الإسلام والغرب والديموقراطية
الدين والقانون ،رؤية قرآنية

مؤلفات بالاشتراك

– الحوار سبيل التعايش، ندوة مطبوعة.

– التغيير مفهومه وترافقه، ندوة مطبوعة.

– مقدمة كتاب (أيها المحلفون: الله لا الملك) لمولانا محمد علي.

كتب عنه

الهجرة إلى الإسلام، إبراهيم محمود، دار الفكر، دمشق.
النزعات المادية، عادل التل، دار البينة، 1995.
جودت سعيد بين حديث الأفكار وصمت العلوم منير أحمد الزعبي مكتبة دار الفارابي دمشق

كلمات مفتاحية:
هل كان المقال مفيد؟
عدم اعجابك 0
المشاهدات: 429