الإمام محمد عبده (1 يناير 1849 – 11 يوليو 1905)، رجل إصلاح، داعية وإمام إسلامي، عرف بفكره الإصلاحي ودعوته للتحرر من كافة أشكال الاستعمار الأجنبي ومحاولاته المستمرة من أجل الارتقاء بالمؤسسات الإسلامية والتعليمية وسعيه الدائم للإصلاح والتطوير في الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، فبذل الكثير من الجهد من أجل تحقيق التطور والإصلاح في المجتمع على الرغم مما تعرض له من سجن ونفي .
- ولد الإمام محمد عبده في عام 1266هـ – 1849 لأب تركماني الأصل، وأم مصرية تنتمي إلى قبيلة بني عدي العربية، ونشأ في قرية محلة نصر بمحافظة البحيرة.
قام والده بإرساله إلى كتاب القرية حيث تلقى دروسه الأولى، ثم بعد ذلك وفي سن الخامسة عشر تقريباً، التحق بالجامع الأحمدي – جامع السيد البدوي بطنطا، حيث تلقى علوم الفقه واللغة العربية كما حفظ القرآن وجوده، انتقل بعد ذلك الشيخ محمد عبده إلى الدراسة في الأزهر الشريف وذلك في عام 1865، وتلقى في هذه الجامعة العلمية والدينية القيمة علومه المختلفة فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية، استمر في الدراسة في الأزهر حتى حصل على شهادة العالمية منه عام 1877.
حاول محمد عبده الانفتاح على العلوم الأخرى والتي لم يكن الأزهر يهتم بتدريسها في هذا الوقت ووجد ضالته في بعض الشخصيات التي أثرت في حياته بشكل فعلي منهم الشيخ درويش خضر والذي كان يقدم له النصح دائماً ويوجهه للطريق السليم ويحثه على ضرورة التعرف على مختلف العلوم الأخرى بجانب العلوم الشرعية والفقهية ، وبعد ذلك تعرف محمد عبده على الشيخ حسن الطويل الذي كان على دراية بعدد من العلوم مثل الرياضيات والفلسفة وتلقى على يديه عددا من الدروس، ثم يأتي دور السيد جمال الدين الحسيني (الأفغاني) في حياة محمد عبده وتنشأ بين الاثنان صداقة قوية مبعثها الدعوة للإصلاح.
- قام محمد عبده من خلال هدفه في الدعوة للإصلاح ونشر التنوير والعلم بالتدريس في العديد من الأماكن منها الأزهر الشريف الذي قام بتدريس المنطق والفلسفة والتوحيد فيه، ودرس في دار العلوم مقدمة ابن خلدون، كما قام بالتدريس في مدرسة الألسن.
قام بتأليف كتاب في علم الاجتماع والعمران، كما قام بكتابة عدد من المقالات في عدد من الجرائد مثل جريدة الأهرام.
- قام رياض باشا (رئيس النظار في عهد الخديوي توفيق) بتعيين الإمام محمد عبده في جريدة الوقائع المصرية وهي الجريدة التي قام رياض باشا بإجراء بعض الإصلاحات عليها وضم بها عدد من الشخصيات البارزة للعمل فيها مثل سعد زغلول، محمد خليل والشيخ محمد عبده، حيث قام محمد عبده بمهمة التحرير والكتابة في القسم الخاص بالمقالات الإصلاحية الأدبية والاجتماعية .
كان الإمام محمد عبده ينتمي في تيار حركة الإصلاح إلى المحافظين الذين يرون أن الإصلاح يكون من خلال نشر التعليم بين أفراد الشعب والتدرج في الحكم النيابي وكان سعد زغلول أيضاً من مؤيدي هذا التيار، وهو عكس التيار الذي يدعو للحرية الشخصية والسياسية مثل المنهج الذي تتبعه الدول الأوروبية، وكان من مؤيدي هذا التيار “أديب إسحاق” ومجموعة من المثقفين الذين تلقوا علومهم في الدول الأوروبية.
قامت الثورة العرابية في عام 1882م وكان محمد عبده من مؤيديها فتم القبض عليه وحكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات.
- انتقل محمد عبده إلى بيروت حيث مكث بها قرابة العام، ثم انتقل بعدها إلى باريس ليكون بالقرب من أستاذه وصديقه جمال الدين حيث قاموا معاً بتأسيس جريدة ” العروة الوثقى” ولكن للأسف هذه الجريدة لم تستمر كثيراً حيث أثارت المقالات التي كانت تكتب بها حفيظة الإنجليز والفرنسيين خاصة وأنها كانت تتضمن مقالات تندد بالاستعمار وتدعو للتحرر من الاحتلال الأجنبي بجميع أشكاله، فتم إيقاف إصدارها.
عاد مرة أخرى لبيروت حيث قام بتأليف عدد من الكتب، والتدريس في بعض مساجدها، ثم انتقل للتدريس في “المدرسة السلطانية” في بيروت حيث عمل على الارتقاء بها وتطويرها، كما شارك بكتابة بعض المقالات في جريدة ” ثمرات الفنون”، وقام بشرح ” نهج البلاغة” و ” مقامات ” بديع الزمان الهمذاني”.
- صدر العفو عن محمد عبده بعد ست سنوات قضاها في المنفى، فعاد إلى مصر وكان يراوده حلم دائماً بمحاولة الإصلاح في المؤسسات الإسلامية ومحاولة النهضة بالتعليم وتطويره، عين محمد عبده قاضياً أهلياً في محكمة بنها، ثم في محكمة الزقازيق ، وعابدين ثم مستشاراً في محكمة الاستئناف.
تعلم محمد عبده اللغة الفرنسية وأتقنها واطلع على العديد من الكتب والقوانين الفرنسية، كما قام بترجمة كتاب في التربية من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية.
- في 3 يونيو 1899 صدر مرسوم خديوي وقعه الخديو عباس حلمي بتعيين الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية.
كان منصب الإفتاء يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر في السابق وبهذا المرسوم استقل منصب الإفتاء عن منصب شيخة الجامع الأزهر، وصار الشيخ محمد عبده أول مفت مستقل لمصر معين من قبل الخديو عباس حلمي.
وهذا احصاء لفتاوى الشيخ محمد عبده. عدد الفتاوى 944 فتوى استغرقت المجلد الثاني من سجلات مضبطة دار الإفتاء بأكمله وصفحاته 198، كما استغرقت 159 صفحة من صفحات المجلد الثالث.
من فتاويه:
عن الوقف وقضاياه، والميراث ومشكلاته، والمعاملات ذات الطابع المالي والآثار الاقتصادية، مثل البيع والشراء، والإجازة والرهن والإبداع، والوصاية والشفعة والولاية على القصر، والحكر والحجر والشركة وإبراء الذمة، ووضع اليد والديون واستقلال المرأة المالي والاقتصادي … الخ يبلغ عدد فتاواه في ذلك 728 فتوى.
عن مشاكل الأسرة وقضاياها من الزواج، وطلاق ونفقة وإرضاع وحضانة، والإقرار بالغلام المجهول …. الخ وعدد فتاواه في ذلك 100 فتوى.
عن القود والقتل والقصاص: عدد فتاواه في ذلك 29 فتوى.
فتاوى في موضوعات متنوعة ومختلفة. عدد فتاواه في ذلك نحواً من 87 فتوى.
ونلاحظ أن 80% من الفتاوي تتعلق بمشكلات خاصة بالحياة المالية والاقتصادية وقضاياها.
ظل الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية ست سنوات كاملة حتى وفاته عام 1905.
- علاقة الشيخ محمد عبده بالخديوي عباس لم تكن على مايرام وازدادت سوءاً على مر الأيام، الأمر الذي أدى لمحاولة النيل من محمد عبده بمختلف السبل الممكنة من خلال المؤامرات، ومحاولة تشويه صورته في الصحف وأمام الشعب، وأدى هذا الأمر بالشيخ في نهاية الأمر بتقديم استقالته من الأزهر عام 1905، وبعد ذلك اشتدت معاناته من مرض السرطان حتى كانت الوفاة في الإسكندرية في يوليو 1905.
محمد عبده والأزهر
كان محمد عبده قاسياً على مشايخ الأزهر، فيقول في حوار مع الشيخ محمد البحيري (أزهري) أنه مكث عشر سنين وهو يكنس من دماغه ما علق فيه من وساخة الازهر، ولم يبلغ ما أراده من النظافة (الاعمال الكاملة، بيروت: 1972 ـ 1974). وكان لا يتورع عن أن يطلق علي الأزهر نعت الإسطبل والمارستان والمخروب. ولهذا رد عليه شيوخ الأزهر وكتبوا عن أستاذه الأفغاني كتابا بعنوان “تحذير الأمم من كلب العجم”، وكتبوا عنه كتابا آخر بعنوان: “كشف الأستار في ترجمة الشيخ الفشار” (انظر: محمد رشيد رضا، “تاريخ الأستاذ الإمام”، القاهرة 1931). وبالرغم من جرأة محمد عبده في التصدي لشيوخ الازهر إلا أنه صمت عن الرد على شبلي شميل في مواجهته رجال الدين عامة.
- قام محمد عبده بكتابة وتأليف وشرح عدد من الكتب نذكر منها “رسالة التوحيد”، تحقيق وشرح “البصائر القصيرية للطوسي”، تحقيق وشرح “دلائل الإعجاز” و”أسرار البلاغة” للجرجاني، كتاب “الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية” وفي هذا الكتاب قام الإمام محمد عبده بإجراء مقابلة بين الدينين الإسلامي والمسيحي وأثرهما في العلم والمدنية، تقرير إصلاح المحاكم الشرعية سنة 1899 م.
كما قام العديد من الكتاب والصحفيين بتناول شخصية محمد عبده وآرائه الإصلاحية من خلال كتبهم ومقالاتهم المختلفة منها: كتاب “محمد عبده” تأليف محمود عباس العقاد، كتاب “رائد الفكر المصري – الإمام محمد عبده” من تأليف عثمان أمين، كتاب ” الإمام محمد عبده في أخباره وآثاره” تأليف رحاب عكاوي، وغيرها العديد من الكتب.
- تجميع لأعماله
الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده (في خمسة أجزاء) – تحقيق الدكتور محمد عمارة- نشر دار الشروق.
سلسلة الأعمال المجهولة: محمد عبده – تحقيق الدكتور علي شلش – نشر دار رياض الريس.
ديوان الإمام محمد عبده – تحقيق الأستاذ ماجد صلاح الدين – نشر دار الفكر الإسلامي. - توفى الإمام محمد عبده في 11 يوليو 1905