(1357 – 1401هـ / 1939 – 1983م)
ولد الشيخ «إبراهيم عزت» في مدينة «سوهاج» بصعيد مصر عام 1939م، وكان الولد الثاني لأبيه (محمد سليمان) بعد أخيه (أحمد)، الذي مات في المهد، كان الوالد مهندساً في التعليم الصناعي، وكانت الأم على علم وخُلق ودين وثقافة.
واضطر الأب إلى أن ينتقل بأسرته إلى «طنطا»، نظراً لظروف العمل، ثم أُلحق ابنه بإحدى مدارسها الابتدائية، وانتظم في الدراسة إلى أن اضطر الأب إلى أن ينتقل مرة أخرى إلى «القاهرة»، فسكن بحي الزيتون، بينما التحق إبراهيم بالمدرسة الثانوية بعين شمس، ثم التحق بكلية التجارة بجامعة «عين شمس»، بعد ذلك تم تجنيده ليخدم في الجيش، وفي تلك الأثناء تقدم لوظيفة مذيع في الإذاعة المصرية، ونجح في اجتياز الاختبارات التي أُجريت له، وتم تعيينه، فقدم العديد من البرامج الدينية والثقافية، مثل: بيوت الله، دنيا الأدب، وبعد ذلك عين في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وبعد فترة حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة الأزهر، رغم انشغاله بالدعوة إلى الله.
وقد أثرت نشأة إبراهيم عزت في بيت صالح . فاتخذ إبراهيم عزت حب الله طريقاً، والدعوة إليه منهجاً منذ صغره، حين انضم إلى أنشطة «جمعية الشبان المسلمين»، ثم التحق بعد ذلك بجماعة (الإخوان المسلمين)، وبعد ذلك كان قراره بالانضمام إلى جماعة التبليغ والدعوة، عام 1963م.
– ورغم أن الشيخ إبراهيم عزت قد ترك صفوف «الإخوان»، وانضم إلى جماعة التبليغ والدعوة، فقد اعتقل في صيف 1965م مع الآلاف من أبناء الإخوان المسلمين، وناله الكثير من التعذيب والإيذاء الشديد، وتحمله بصبر وثبات على دعوته.
ويروي الأستاذ أحمد رائف في كتابه : «البوابة السوداء» جانباً من الذكريات في المعتقل مع الشيخ إبراهيم عزت، فيقول:
«كنا في عنبر خمسة في ذلك الوقت حوالي سبعين، أذكر منهم: الأستاذ محمد ماضي، والأستاذ أحمد عادل كمال، والحاج حسن حافظ الفقي، الذي كان يملأ العنبر بجو من البهجة والمرح، فقد كان عصبياً شديد التوتر طوال الوقت، على طيبة قلبه، وسلامة صدره، وكان كثيراً ما يتشاجر مع المرحوم إبراهيم عزت حول الماء، فقد كان احتياطي الماء صفيحتين مكشوفتين في دورة المياه، وكان هذا الرصيد صيفاً وشتاءً للسبعين في قضاء حوائجهم، وكان المرحوم «إبراهيم عزت» يحب أن يسبغ الوضوء على المكاره، وكان يبالغ في التطهر، فينتظره الحاج حسن حافظ على باب الدورة، ويتشاجر معه عندما يخرج:
ليس من المعقول أن تتطهر وحدك بنصف صفيحة، والباقي لهذا الجمع الغفير، هذا ليس من الإسلام في شيء، واسأل الحاج فريد عراقي، ويضج العنبر بالضحك، ويتدخلون لفض المشاجرة، وكانت دائماً من طرف واحد، فقد كان المرحوم إبراهيم عزت شديد الحياء لا يسمع له صوت، يكتفي بابتسامته العذبة المتسامحة، ويستنجد بالشيخ المطراوي ليخلصه من حسن حافظ».
وللشيخ إبراهيم عزت الكثير من الخطب والمحاضرات التي ألقاها على آلاف المسلمين بمسجد «أنس بن مالك» بالجيزة في مصر، حيث تولى فيه الخطابة، منذ عام 1957م، وظل داعياً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فأسر مستمعيه بأسلوبه المميز الجذاب في خطابته، إلى أن لقي ربه.
ديوان شعره
فجرت تجربة المعتقل شاعرية إبراهيم عزت، فبلغت أوجها، وأنتج لنا شعراً متميزاً في جوانبه المتعددة.فقد كان شاعرا متميزا، امتلك أدوات الشعر، ووظفها بمهارة،ولا يعرف له سوى ديوان واحد، طبع في بيروت عام 1970م بعنوان: «الله أكبر»، وأنشد شباب الحركة الإسلامية العديد من قصائد هذا الديوان، ومن أبرزها ما غنّاه المنشد السوري «أبو مازن»، والديوان يتناول قضايا الدعوة والوطن والحرية، وهي قضايا وهموم كل إنسان، خاصة من كان منهم مثل الشيخ إبراهيم عزت، يحمل من المبادئ والهموم ما يفرض عليه أن يناضل من أجلها.
نماذج من شعره
سألت خالقي وكلنا سأل
لمن لمن تركتنا؟
سألت خالقي إلى متى
ستطعم الكلاب ما وهبتنا؟
الهول يا لقسوته
محافل تضم ألف سوط
والموت قادم
يدوس خوف موت
ويقول إبراهيم عزت في قصيدة بعنوان: «حبيبتي بلادي»:
قد كنت أصنع الكلام من دمي
وكنت أعرف النشيد هامسا
لعله إلى الفؤاد ينتمي
وكنت أكتب الحروف واحداً فواحدا
لتقرئي.. لتفهمي
وكنت يا حبيبتي وكنت
والآن يا حبيبتي
لن أكمل الحديث
وإن بدا مشوقاً
فليس ما أريده إثارة الطرب
أو أن تحركي الشفاه من دلائل العجب
ولن أتم يا حبيبتي النغم
فقد رأيت ما يحرّم النشيد
ألف عام
فصرت كلما بدأت في الغناء
أجهشت بالبكاء
لن أمسك القلم
فالرعشة التي سرت في قلبي المنهوك
أصابت المواقع الخضراء بالعقم
فلم تعد تجيد غير نبضة الألم
لن أكمل الحديث يا حبيبتي
فشمعتي في ليلة الجفاء أطفئت
وأكذب الأصوات في هواك قد علت
وقصة الكلام كلها
قد انتهت
وفي قصيدة أخرى عن الآلام والقيود التي يعاني منها إخوانه، ورغم ذلك فإن الشاعر لا يستسلم لهذه الأهوال، بل يقابلها بالرجاء والأمل الذي يراه في الأفق مطلاً باسماً:
حبيبتي
ولم تزل في أفقنا بقيّة من الرجاء
حطمي قيوده
لتحتمي بسربه
لتصنعي حياتنا به
لتسمعي دعاءه.. بكاءه
يستمطر السماء زاده.. ونصره
ويستغيث ربّه
فحطمي قيوده
وفي قصيدة أخرى بعنوان: «اليوم عيد»، يقول:
اليوم عيد
قد عشت فيه ألف قصة حبيبة السماء
أردد الأذان في البكور
أراقب الصغار يمرحون في الطريق كالزهور
وهذه تحية الصباح
وهذه ابتسامة الصديق للصديق
والسلام
يبسط اليدين يرسل الندى
ويملأ الحياة بالأمان
وخضرة الزروع غضة الجنى
ما أطيب الأمان يا أحبتي
إن عانق الأمان
زماننا ربيعه الأمان
لكن الوضع الحقيقي في حاضر الشاعر على خلاف هذه اللوحة الجميلة الوادعة، لأن:
شريكة الأسى بدا جناحها الكسير
تخبئ الدموع عن صغارها
وحينما يلفها السكون
سترتدي الصقيع
كي تقدم الحياة للرضيع
فإن الشاعر يفتش في ذات نفسه عما يجدد الأمل لديه، فيجد حب أهله وأولاده في قلبه، فيصر على أنه:
مازال يومنا ويومهم
لأننا نحبهم
اليوم عيد
يقول في قصيدة «الله أكبر»:
الله أكبر باسم الله مجريها الله أكبر بالتقوى سنرسيها
الله أكبر قولوها بلا وجل وحققوا القلب من مغزى معانيها
بها ستعلو على أفق الزمان لنا رايات عز نسينا كيف نفديها
بها ستبعث أمجاد مبعثرة في التيه حتى يرد الركب حاديها
الله أكبر ما أحلى النداء بها كأنه الري في الأرواح يحييها
إنه بحق شاعر متميز، امتلك أدوات الشعر، ووظفها بمهارة، ما كان منها من أصيل تراثنا أو من حديث ثقافتنا.
قالوا عنه
قال الدكتور «مبروك بهي الدين رمضان»:
لقد قدّر لي أن ألتقي الشيخ إبراهيم عزت عدة مرات، كان أولها وأنا في سن الخامسة عشرة، وما زلت طالباً صغيراً عندما تركني أحد أقاربي عنده في مسجده (أنس بن مالك) لمدة ثلاثة أيام، فتركت هذه الفترة مكاناً محفوراً في نفسي إلى ساعتي هذه، وقد قاربت الخمسين لما رأيته من أخلاق الرجل، وطيب معاملته، وحسن عبادته، وسعة صدره، وقدرته الفائقة على التعلم والقراءة والأحكام، وكنت أصلي الجمعة في مسجده، وكنت أجزم أنه لم يبق أحد في المسجد ولا خارجه إلا وتفيض عيناه بالدموع لرقة ما تسمع أذناه من هذا الشيخ الرباني وصدقه.
وفاته
لقي الله ـ عز وجل ـ في شهر رمضان عام 1404هـ ـ 1983م، حيث عزم على السفر إلى «مكة» للعمرة والاعتكاف في المسجد الحرام، بصحبة بعض أقاربه، وقبل أن تصل الباخرة إلى ميناء جدة، وبعد إفطار الشيخ وصلاته المغرب استراح قليلاً، ولم يحن أذان العشاء، إلا وصعدت روحه إلى بارئها.
تمت الصلاة عليه في الحرم المكي، يوم السبت 21 رمضان، ودفن في مدافن «المعلى» بـ«العتيبة» في «مكة المكرمة»، وهي التي دُفنت فيها السيدة خديجة ـ أم المؤمنين رضي الله عنها.