هو أبو الحسن علي بن فخر الدين، ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما.
- ولد بقرية “تكية” بمديرية “راي بريلي” في الولاية الشمالية بالهند في 6 من المحرم 1333هـ ـ 1914م، كان والده علامة الهند ومؤرخها، وكانت والدته من السيدات الفاضلات تحفظ القرآن الكريم وتقول الشعر، وتؤلف الكتب، توفي والده وهو دون العاشرة فأشرف أخوه الكبير على تربيته، فحفظ القرآن، وتعلم الأردية والإنجليزية والعربية، ثم التحق بجامعة لكهنؤ، وهي جامعة تدرس العلوم المدنية باللغة الإنجليزية، وفيها قسم لآداب اللغة العربية، ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1929م، ليلاقي كبار علماء الهند، وليحضر دروس الشريعة عليهم، ولكنه لم يرتو بعد فالتحق بديوبند مدة شهور، ثم سافر إلى لاهور، وقرأ التفسير القرآني على كبار علمائها، وتحققت أمنيته بلقاء شاعر الإسلام محمد إقبال، فجالسه وأفاد منه، وعين –بعد ذلك- مدرسًا بدار العلوم لندوة العلماء في عام 1934م.
- يُعد أبو الحسن الندوي من أشهر العلماء المسلمين في الهند، وله كتابات وإسهامات عديدة في الفكر الإسلامي، وكان كثير السفر إلى مختلف أنحاء العالم لنصرة قضايا المسلمين والدعوة للإسلام وشرح مبادئه، وإلقاء المحاضرات في الجامعات والهيئات العلمية والمؤتمرات.
دفعته همته الباكرة إلى كتابة مقال وعمره (18 سنة) يتحدث فيه عن جده المجاهد أحمد بن عرفان، وبعث به إلى (مجلة المنار) المصرية التي يقوم عليها الشيخ محمد رشيد رضا فنشره، وبدأ الندوي الدعوة إلى الله على المنابر خطيبًا.
ثم سافر إلى (دلهي) في رحلة علمية، فالتقى بالشيخ محمد إلياس، فعزم الندوي أن يكون داعية بلسانه، كما يكتب بقلمه، ولكنه رأى أن يدعو ويرحل إلى العالم الإسلامي كله، بدلاً من الدعوة في الهند فقط كما فعل شيخه إلياس، فرحل إلى الحجاز مرات، وإلى مصر، والمغرب، والشام، وتركيا، وزار أميركا، والدول الأوربية، وطوف بأكثر عواصم العالم الإسلامي.
- بلغ مجموع مؤلفات الندوي وترجماته نحو 700 عنوانًا، منها 177 عنوانًا بالعربية، ترجم عدد منها إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والبنغالية والإندونيسية وغيرها..
وكان كاتبًا غزير الانتاج، صاحب منهج متميّز بسبب معرفته لعدد من اللغات كالعربيَّة والأورديَّة والانجليزيَّة والفارسيَّة، وسعة اطّلاعه على مصادر الحضارات غير الإسلاميَّة، فضلاً عن تعمقه في التاريخ الإسلامي، وقد تميّزت مؤلّفاته كلّها بالغوص العميق في فهم أسرار الشريعة، والتحليل العميق لمشاكل العالم الإسلامي.
- ظهر أول كتاب له بالأردية (1938م)، بعنوان “سيرة سيد أحمد شهيد” ونال قبولاً واسعًا في الأوساط الدينية والدعوية، وألّف بعدها كتابه “مختارات في أدب العرب” (1940م)، ثم ألف سلسة “قصص النبيين” للأطفال في خمسة أجزاء، وسلسلةً أخرى للأطفال باسم: “القراءة الراشدة” في ثلاثة أجزاء، في الفترة مابين 1942-1944م.
- ثم بدأ الندوي في تأليف كتابه المشهور “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” (1944م)، وأكمله (1947م)، وقد طُبِعت ترجمته الأردية في الهند قبل رحلته الأولى للحج عام 1947م، وقدم لهذا الكتاب الأستاذ سيد قطب، وقال عنه الشيخ القرضاوي: “الكتاب نظرة جديدة إلى التاريخ الإسلامي، وإلى التاريخ العالمي من منظور إسلامي، وهو منظور عالم مؤرخ مصلح داعية، يعرف التاريخ جيدًا، ويعرف كيف يستخدمه لهدفه ورسالته”.
وألف رسالة بعنوان: “إلى ممثِّلي البلاد الإسلامية” (1947م)، وجهها إلى المندوبين المسلمين والعرب المشاركين في المؤتمر الآسيوي المنعقد في دلهي- بدعوة من رئيس وزراء الهند وقتها: جواهر لال نهرو- فكانت أولَ رسالةٍ له انتشرت في الحجاز عند رحلته الأولى.
كما كلفته الجامعة الإسلامية في عليكره (A.M.U.) الهند (1942م)، بوضع منهاج لطلبة الليسانس في التعليم الديني أسماه “إسلاميات”، وألقى في الجامعة المِلِيَّة بدلهى محاضرة طبعت بعنوان: “بين الدين والمدنيَّة”.
وقد دُعي أستاذًا زائرًا في جامعة دمشق (1956م)، وألقى محاضرات بعنوان: “التجديد والمجدِّدون في تاريخ الفكر الإسلامي”، ضُمَّت – فيما بعد- إلى كتابه “رجال الفكر والدعوة في الإسلام” (أربعة أجزاء)، كما ألقى محاضرات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بدعوة من نائب رئيسها الشيخ عبد العزيز بن باز (1963م)، طُبِعت بعنوان: “النبوة والأنبياء في ضوء القرآن”.
سافر إلى الرياض بدعوة من وزير المعارف السعودي (1968م) للمشاركة في دراسة خطة كلية الشريعة، وألقى بها عدة محاضرات في جامعة الرياض وفي كلية المعلِمين، وقد ضم بعضها إلى كتابه: “نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية”.
كما ألّف -بتوجيه من شيخه عبد القادر الراي بورى- كتابًا حول القاديانية (1958م)، بعنوان: “القادياني والقاديانية”، وألف كتابه “الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية” (1965م)، وكتابه “الأركان الأربعة” (1967م)، و”العقيدة والعبادة والسلوك” (1980م)، و”صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم والمسلمين الأوائل عند أهل السنة والشيعة” (1984م)، و”المرتضى” في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (1988م). (العرب والإسلام) و(مذكّرات سائح في الشرق العربي) و(الإسلام والحياة) و(المسلمون وقضية فلسطين) و(المسلمون في الهند) و(روائع إقبال) و(الصراع بين الإيمان والماديَّة) و(إلى الإسلام من جديد) و(الطريق إلى المدينة) و(العاقبة للعرب والمسلمين) و(العرب يكتشفون أنفسهم) و(روائع من أدب الدعوة) و(التفسير السياسي للإسلام) و(إذا هبت ريح الإيمان) و(بين الصورة والحقيقة) و(الإسلام والعلم) و(حديث من الغرب).
- رأى الندوي أن الأحداث التي عاصرها وعلى رأسها سقوط الخلافة، دعمت إيمانه ويقينه بأن الإسلام لا بدّ أن يتولَّى الزمام لإنقاذ العرب والعالم، لأن الحل الوحيد لمأساة الإنسان يكمن في تحوّل قيادة العالم إلى أيد مؤمنة بقيم الإنسانيَّة، وكان محور إصلاحه: مكافحة الغزو الفكري، وبث روح الاعتزاز بالإسلام في المسلمين، ومقاومة الردَّة وآثارها، وخاطب العرب وركّز عليهم اهتمامه، لأنّهم يحملون استعدادًا روحيًّا ومعنويًّا وماديًّا لقيادة العالم الإسلامي، وبالتالي لقيادة العالم أجمع، وكان حريصًا على نهضة العرب بمواهبهم وكفاءاتهم.
وحدد واجب العلماء والطبقة المثقفة في مقال نشر بمجلة (البعث الإسلامي) قائلاً: “إنّ مسؤولية العلماء والمفكرين المسلمين في العصر الحديث -بعد مواجهتهم للتحدّيات المعاصرة وإثباتهم أن الإسلام قادر على قيادتها وترشيدها والسموّ بها- هي أن يفضّلوا الإسلام على كل جماعة، ومؤسسة، ومدرسة، وطائفة، وحزب، وليكن مصلحة الدين والعقيدة مفضلة على عمل كل مصلحة حزبية، أو جماعية”.
ومن أبرز تأملاته: قضية الإصلاح والتغيير؛ حيث رأى أن المنهج الإصلاحي الذي نريده ينبع أساسًا من تكوين الفرد تكوينًا نوعيًّا، ويحمل على بعض المصلحين الذين خلطوا الواقع الإصلاحي بالتجربة والروح الغربية، وكان يندهش من المسلمين الذين اطمأنّوا لتدريس أبنائهم في المؤسسات العلمية الغربية، وغفلوا عن هدف الغرب في القضاء على الهوية الإسلامية لهم، وتنبه إلى ضرورة إحداث تغيير شامل في الجامعات الإسلامية من خلال ربط العلم بالتربية، وأولى اهتمامًا كبيرًا بالمنهل العلمي الذي يتلقاه الشباب، فلا بد من تصفية هذا المنهل من خلال توحيد التعليم ليكون وحدة شاملة تجمع بين الوسائل والغايات.
- ركائز فقه الدعوة عند أبي الحسن الندوي
حدد الدكتور يوسف القرضاوي ركائز لفقه الدعوة عند أبي الحسن الندوي، هي:
1- تعميق الإيمان في مواجهة المادية.
2- إعلاء الوحي على العقل.
3- البناء لا الهدم، والجمع لا التفريق.
4- إحياء روح الجهاد في سبيل الله.
5- استيحاء التاريخ الإسلامي وبطولاته.
6- نقد الفكرة الغربية والحضارة المادية.
7- تأكيد دور الأمة المسلمة واستمراره في التاريخ.
8- التنويه بقضية فلسطين وتحريرها.
9- العناية بالتربية الإسلامية الحرة.
10- دعوة غير المسلمين.
جوائز الندوي
– منح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، سنة (1400هـ= 1980م).
– منحته إمارة دبي جائزة شخصية العام الإسلامية لعام 1419هـ؛ في دورتها الثانية، بعد أن منحت في دورتها الأولى لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي.
– منحه معهد الدراسات الموضوعية بالهند جائزة الإمام ولي الله الدهلوي لعام1999م -والتي تم منحها لأول مرة- وكان قد تقرر اختياره لهذه الجائزة في حياته ولكن وافته المنية قبل الإعلان الرسمي، وقد استلم هذه الجائزة باسمه / ابن أخته وخليفته فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني النَّدْوي في دلهي في (7 من شعبان 1421هـ = نوفمبر2000م).
– منحته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ( ايسسكو ISESCO) -تقديرًا لعطائه العلمي المتميز وإكبارًا للخدمات الجليلة التي قدمها إلى الثقافة العربية الإسلامية- وسام الإيسسكو من الدرجة الأولى. وقد استلم هذا الوسام نيابة عنه سعادةُ الدكتور عبد الله عباس النَّدْوي في الرباط في 25 من شعبان 1421هـ.
– منح جائزة السلطان حسن بلقية العالمية في موضوع “سير أعلام الفكر الإسلامي” من مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية عام (1419هـ =1998م).
- ثناء العلماء عليه
كتب عنه الشيخ الغزالي في مذكراته، وقال: “إن رسائل الندوي هي التي لفتت النظر إلى موقف ربعي بن عامر رضي الله عنه بين رستم قائد الفرس وكلماته البليغة له.. أبو الحسن الندوي -فيما أعلم- هو أول من نبهنا إلى قيمة هذا الموقف وهذه الكلمات، ثم تناقلها الكاتبون بعد ذلك وانتشرت”.
وصفه الشيخ علي الطنطاوي لما زاره سنة (1373هـ ـ1954م) في لكهنؤ فقال: “وجدته في الأحوال كلّها، مستقيمًا على الحق، عاملاً لله، زاهدًا حقيقيًّا زهد العالم العارف بالدنيا وأهلها”.
وقال يوسف القرضاوي: “الندوي.. مثال للعالم المسلم، والداعية المجدد، ومثال جمع بين رقة الربانيين، وتوحيد السلفيين، والتزام السنيين، وثقافة المعاصرين”.
وقال الدكتور مصطفى السباعي: “الندوي.. ذخر للإسلام ودعوته. وكتبه ومؤلفاته تتميز بالدقة العلمية وبالغوص العميق في تفهم أسرار الشريعة وبالتحليل الدقيق لمشاكل العالم الإسلامي ووسائل معالجتها”.
وقال سيد قطب: “الندوي.. رجل عرفته في شخصيته وفي قلمه، فعرفت فيه قلب المسلم، والعقل المسلم، وعرفت فيه الرجل الذي يعيش بالإسلام وللإسلام على فقه جيد للإسلام.. هذه شهادة لله أؤديها”.
وقال محمد الرابع الحسني الندوي: “الندوي.. قدوة أبناء المسلمين في الغيرة للدين والكفاح لإعزاز الإسلام والذَّب عن حوزته، وإقرار روحه وطبيعته الحقيقية”.
وقال محمد حميد الدين الحسامي: “الندوي.. أمة وحده، وشخصية عظيمة فذة، وموسوعة فكرية متنوعة الجوانب والمباحث، قلَّما يجود الزمان بمثله”.
وقال عبد الحليم عويس: “الندوي.. رجل لم يتاجر يومًا بمبادئه، ولم يقف يومًا على باب أحد، ولم ينافس يومًا على الدنيا”.
وقال عنه الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر عبد الحليم محمود: “أخلص أبو الحسن الندوي وجهه لله تعالى، وسار في حياته سيرة المسلم المخلص لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فدعا إلى الإسلام بالقدوة الحسنة، ودعا إلى الإسلام بكتبه النقية، ودعا إلى الإسلام بسياحته التي حاضر فيها، ووجه وأرشد، فجزاه الله خير ما يجزي عالما عن دينه”.
وفاة الندوي
توفي أبو الحسن الندوي في (23 من رمضان 1420هـ ـ 31 من ديسمبر 1999م)، عن 86 عامًا. في العشر الأواخر من رمضان، يوم الجمعة وقد توضأ واستعد للصلاة، وشرع يقرأ سورة الكهف كما تعوّد كل جمعة فوافاه أجله.