يرى البعض أن بداية الظهور العلني للتيار المدخلي في المملكة العربية السعودية كان إبان حرب الخليج الثانية 1991م. وقد ظهرت في المدينة المنورة علي يد الشيخ محمد أمان الجامي (1349 هـ – 1416 هـ)، لذلك يسميها البعض “الجامية”، وإلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي (١٩٣١م- )، وإليه يُنسب التيار، ويُعد الشخصية الأبرز والمرجعية الأكبر لهذا التيار.
وَفَد الجامي ذو الأصول الإثيوبية إلى السعودية للحج سنة 1949 واستقر فيها، ثم عمل مدرسًا بالمعهد العلمي في “صامطة” بمنطقة جازان، قبل أن ينتقل للتدريس في الجامعة الإسلامية والمسجد النبوي بالمدينة المنورة. ومن أبرز تلامذته ربيع بن هادي المدخلي، ومقبل بن هادي الوادعي.
وينسب التيار إلى المدخلي أكثر من الجامي، لكون الجامي الذي توفي منذ ثلاثة وعشرين عاماً لا يعد مؤثراً في تشكيل التيار كتلميذه الوفي المدخلي.
وربيع المدخلي هو سعودي، درس على يد محمد الجامي بالمعهد العلمي بصامطة، وهو الشخصية الأبرز والمرجعية الأكبر للتيار المدخلي.
كان يشغل رئيس قسم السنة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والآن يلقي المحاضرات بالمدينة المنورة، ويعقد المجالس التي يحضرها بقية أفراد التيار بالسعودية ويتوافد عليه بقية المؤثرين بالتيار من حول العالم.
وقد برز التيار المدخلي حينها كفكر مضاد لـ”دعاة الصحوة” الذين استنكروا دخول وتمركز القوات الأمريكية بالسعودية والاستعانة بها في حرب العراق باعتبار الأخيرة دولة إسلامية، فواجه “المداخلة” تيار الصحوة وأكدوا مشروعيّة دخول القوات الأجنبية السعودية والاستعانة بها ضد العراق، و”بدّعوا” رموز الصحوة حينها؛ كسلمان العودة وناصر العمر وسفر الحوالي وغيرهم.
ثم تطور التيار بعد ذلك ووسع من دائرة نقده ليشمل أي معارضين إسلاميين للسلطة داخل السعودية أو خارجها، سواء جماعات أو أفراد، وحجتهم أنهم خوارج لأنهم يخرجون على “ولي الأمر” بالقول (النقد العلني) والمظاهرات والمعارضة عموماً، فيحرضون الناس على الخروج بذكر مساوئ الحكومات في العلن، مما يؤدي من وجهة نظرهم إلى الفتن، وهذا ليس منهج أهل السنة والجماعة والسلف، من وجهة نظرهم.
ولم يكتفِ التيار المدخلي بتبديع المعاصرين من الدعاة والعلماء، بل ركز نقده أيضاً على أدبياتهم ومراجعهم الفكرية، ككتب سيد قطب وأبي الأعلى المودودي على سبيل المثال، لما تحويه من اهتمام سياسي.
ظل التيار المدخلي داخل هذا الإطار من التعبير عن الرأي دون أي مشاركة سياسية، ولو بالتعليق على الأحداث السياسية، فضلاً عن المشاركة النيابية أو المنافسة الحزبية، أو التظاهرات… إلخ.
وعملياً ليس بين عناصر هذا التيار ارتباطات تنظيمية ظاهرة للعيان كما لا توجد له زعامة موحدة بل زعامات كثيرة متنوعة يتقارب بعضها وتجتمع في بعض المسائل ويحصل بينها افتراق واختلاف أحيانًا وقد يصل إلى حد القطيعة، وإنما يجمع عناصر هذا التيار تشابه المنهج في التعامل مع المخالف ومحاولة احتكار التسمي بالسنة والسلفية وتضليل بقية التيارات والحث على طاعة ولاة الأمور وعدم الخروج عليهم مهما فعلوا لأن هذا يثير الفتن ولا يتفق مع منهج السلف.
ووقف التيار المدخلي في البلاد العربية موقفاً حازماً ضد ثورات الربيع العربي وحرّم المشاركة فيها بكل صرامة، لكن بعد الثورات بأشهر قليلة بدأ التيار المدخلي في الظهور السياسي بصورة تدريجية، حتى وصل إلى الانخراط في العمل المسلح في بعض البلدان كاليمن وليبيا.